ثقافة

   كاميران بدرخان أيقونةٌ من الأدب الكردي

KAMIRAN BEDRXANأنجبت أرضُ الكردِ العديدَ والكثير الكثير من المفكرين والمبدعين والأدباء البارزين وكانوا حدائق زينوا ماضينا وواقعنا وحرصوا على إعطاء الوجه الجميل لمستقبلنا, ومن هذه الحدائق حديقة البدرخانيين المناهضةِ للظلمِ والاستبداد, ونحن بدورنا أخترنا منها الشخصية الفَذّة المعروفة في معركة الأدب الكردي ونضالهِ السياسي, شخصية الدكتور المحامي كاميران بدرخان .

وُلِدَ الدكتور كاميران بدرخان في مدينة استانبول بتاريخ 12/8/ 1895 م. وسبب ولادته في استانبول أن عائلة بدرخان كانت مناهضةً للظلمِ والاستبداد, وكانت تُطالب الحكومة العثمانية باستقلال كردستان, ففرض السلطان عبد الحميد عليها الاقامة الجبرية منذ عام 1879 بعد أن طلب السلطان منها الاستقرار في استانبول.

 ورغم محاولات عبد الحميد كسر نشاطهم وتشتيتهم ,فكانَ يُحسبُ لهم ألف حساب.

 لذلك حاول من ناحيةٍ أُخرى التظاهرَ بأنهُ صديقُ البدرخانيين,  فكلّفَ أمين عالي بدرخان والد كاميران مهمةَ مفتش العدلية في الاستانة وأنقرة وحاكماً للجزاء في عكا ونابلس, وكان والدهُ واعياً للقضايا القومية.

درسَ الابتدائية والمتوسطة في استانبول, ودرسَ في قسم الحقوقِ في الجامعة السلطانية, اختار السلك العسكري لأجل نصرة الاسلام, ولكنه أحس أن تولي الامبراطورية العثمانية الخلافة الاسلامية يحمِلُ الكثيرَ من التضليلِ والخداع.

 كما أنَّ انهيار الامبراطورية العثمانية أثر في نفسه كثيراً, مما أدى الى تغييرٍ في مفاهيمه, فأتجه بكل اهتمامه الى القضية الكردية، وقد عاتبه والده بسبب تطوّعِةِ في الجيش ولأنه سيخْدِمُ الأتراك, وقد جرى اتصالُ بينه وبين جلادت وأكرم جميل باشا من جهة, وأتاتورك من جهةٍ ثانية بشأن المسألة الكردية.

 ولكن بعد تسلم أتاتورك الحُكم صارمن ألد أعدائِهم, وأصدر فرماناً بقتل البدرخانيين, و حكم غيابياً بالإعدام على أمين وأولاده, مما أدى إلى هجرة أمين عالي وأبنته ثريا إلى القاهرة, وهجرة جلادت وكاميران وصفدر وتوفيق وحقي بن ثريا إلى ألمانيا، وفي ألمانيا دخل كاميران كلية الحقوق (الدراسات العليا )  في جامعة لايبزغ وبقي حتى نال شهادة الدكتوراه في الحقوق, وكان ممنوعاً على البدرخانيين الدخول إلى الأراضي التركية حتى عام 1967 .

وبعد إنهاء كاميران دراستهُ عاد إلى دمشق, وأثناء انتفاضة آكري دخل إلى تركيا سراً برفقة شقيقه جلادت, للاشتراك في الانتفاضة وبعد فشل الانتفاضة أستقر في بيروت عام 1930.

عمل بعد استقراره في سلك المحاماة بين أعوام 1930 ~ 1943 أفتتح مدرسةً كرديةً في حي زُقاق البلاط .

كَتَبَ مقالاتً كثيرةً باللغة الكردية واللغات الأخرى, وقصائد ودراسات أدبية, كما ترجم من لغةٍ إلى أخرى ومن قصائده (لك كل الثروة – النار )حيث يفصِح في قصيدته النار عن قناعاته بأن الشعب في سياق النضال القومي التحرري سيجتاز كل المِحن ويظفرُ ويفوزُ في الخِتام .

ونشر الكثير من المقالات في مجلات ( روجا نو – روناهي – هاوار- ستير ) أصدرَ جريدة روجا نو الأسبوعية من لبنان, وكانت باللغتين الكردية والفرنسية, وكان يبغي من خلال كتاباته أن يبين مطالب الأكراد في الوحدة والحرية .

كان كاميران يذيع من الإذاعة اللبنانية نشرة أخبار بالكردية, كما كان عنصراً نشطاً في جمعية خويبون, ثم أتبعه بجريدةٍ أخرى تحت اسم ستير في عام 1947.

 رحل إلى فرنسا وأصبح مسؤولاً عن  معهد البحوث الكردية, وفي عام 1948 توجه إلى أمريكا وقدم مذكرةً باسم الشعب الكردي للسكرتير العام للأمم المتحدة بشأن القضية الكردية, وأهتم أهتماماً كبيراً بعلوم اللغة وخلال وجودهِ في فرنسا وممارسته لمهنة التدريس في جامعة (سوربون ) قسم اللغات الشرقية .

وأصدر قاموساً كردياً فرنسياً.

 ونظم العديد من الندوات حول القضية الكردية, وكان يريد تعريف القضية الكردية للأوربيين.

وفي عام 1954 تزوج من السيدة ناتاليا دوستوفسكي البولونية الأصل, ولم يرزق من زوجته أولاداً, وذهب أيضاً إلى باشور كردستان مع زوجته لتهنئة البرزاني والشعب الكردي بالحكم الذاتي في 11 آذار 1970، واستقبله ملا مصطفى البرزاني بحفاوةٍ ومكث فيها مدةً من الزمن .

كان كاميران يُتقن العديد من اللغات (الكردية – التركية – الألمانية – العربية – الفرنسية).

 وكانت منزِلتُهُ تفوق في الحجة ودأب على تحكيم العقل وقرأ كثيراً مما كتبه شعراء وأدباء الكرد منذ القديم.

 وكان لممارسته الصحافة والتدريس والمحاماة مدةً طويلةً ولمعرفته لغات عديدة أثَّرَ في مرونةِ أسلوبهِ, وتمييز أدبهُ بالوضوح والتبصُّر.

ويعود إليهِ الفضلُ في إغناء اللغة الكردية بكثيرٍ من الكلمات العلمية والأدبية.

تأثر كاميران بدرخان كثيراً بحدث إخفاق الثورة الكردية في ( باشور كردستان) في 16 آذار 1975, ووفاة زوجته في شباط العام نفسه، وفي الرابع من كانون الأول 1978 توقف قلب هذا الوطني المُخلص عن الخفقان وبناءً على وصيتهِ تبرَّعَ بجسدهِ للمعهد الطبي للبحوث العلمية الفرنسية.

وفي الختام ما لنا سوى أن ننحني بقاماتنا إجلالاً وتقديراً أمام أنجازاته وعظمته, فكان في حياته نبعاً صافياً يستقي منهُ كلُ كردي وفي مماته أورث جسده الطاهر للطلبة للأستفادة منه, وحتى رفاته استفادت منه البشرية, فكم كنت كريماً أتجاه شعبك وملتك وأمتك؟.

 وهكذا طوَت الأمة الكردية بوفاته صفحةً جديدةً من صفحات الكرد ليسطِّر التاريخ في كتبهِ رجلاً عظيماً وكاتباً بارعاً ومواطناً مخلصاً وسياسياً كبيراً .

                                                                            حسينة العلي

زر الذهاب إلى الأعلى