ثقافة

جبل الأكراد تاريخياً وجغرافياً

إعداد: حسينة العلي
تحديد تاريخ إقامة الكرد في هذا الجبل لأَمرٌ صعبٌ, لكنه مع ذلك بات المرءُ يُدرِك بأن هذا التاريخ يعود إلى زمنٍ غابرٍ، ونسبةً إلى الغالبية الكردية التي تقطن فيه سمي بـ (جبل الأكراد) لذا نود أن نتناول معكم جبل الأكراد جغرافياً وتاريخيا.
جغرافياً: يمتد جبل الأكراد المرتبط بسلسلة جبال طوروس من الشمال نحو الجنوب الغربي ويحدها جنوباً وادي عفرين بحيث تقع نهايتها الجنوبية فقط في الأراضي السورية.
يحدُ جبل الأكراد غرباً وادي قره سو، سهل إعزاز شرقاً، عفرين جنوباً وشمالاً الحدود التركية حيث تمتد الحدود الشمالية من ميدان أكبس وحتى كلس، فجبل الأكراد عبارةٌ عن سلسلةٍ من الجبال والوديان المتوسطة ,ارتفاعها من 70 -120متر، وهو مليءٌ بالوديان العميقة والضيقة، وينفتح من الجنوب الغربي باتجاه الشمال الشرقي ويصعب المرور فيه باستثناء وادي عفرين وراجو المتجه من الغرب نحو الشرق حيث يمر فيه الخط الحديدي الذي تستخدمه القطارات. إن جبل الأكراد قريب من البحر وهو خصبٌ ومليءٌ بالينابيع, ومن أهمها نهر عفرين أما أعشابها فشبيهة بأعشاب البلدان المطلة على البحر الأبيض المتوسط حيث تُغطي الأدغال الكثيفة الجبل، أما الوديان الدافئة فتصلح لزراعة الحبوب والبقول والخضار والأشجار المثمرة، ومناخ الجبل صحيٌ جداً حيث يكون الصيف حاراً والشتاءُ غزيراً بالأمطار والثلوج، ومن أهم موارد جبل الأكراد هو القمح والشعير والعدس حيث تزرع في وديانها، كما تم زراعة التبغ في السنوات الأخيرة حيث سمحت إدارة (الريجي) بذلك بينما تزرع فيها الأشجار منها الرمان والزيتون والتفاح وكروم العنب وغيرها، كما أن تربية المواشي من الغنم والماعز أيضاً تلقى شعبية لابأس بها بينما تكون الأبقار قليلة جداً.
تكاد المهن اليدوية تكون معدومة تقريباً في الجبل، بينما تعمل النساء في الشتاء بالمهن اليدوية كالسجادات ومفروشات زاهية الألوان للاستخدام المنزلي.
تاريخياً: يسكن الكرد المنطقة بأكملها ولذلك سميت باسمهم، إن صفات السكان الجسدية والمعنوية تتماثل بشكلها العام تماماً مع صفات مواطنيهم في الشمال إلا أنه هناك بعض مظاهر تأثير جيرانهم من العرب والأتراك عليهم من جهة عاداتهم وأخلاقهم وتفكيرهم؛ كما أن هناك العديد من الكلمات والعبارات التركية التي دخلت لهجتهم المحلية نتيجة الاحتكاك بالجوار أو نتيجة الأنظمة الشوفينية المستبدة ,التي تستخدم سياسة التعريب فإذا خالطتَ سكان جبل الأكراد تجد أنه يصعب عليهم التحدث بلغة الأم (الكردية).
بسبب العوامل الآنفة الذكر. ولكن التاريخ والوجود الكردي أثبت كردية هذه المنطقة بالدليل القاطع ,حيث يؤكد التاريخ أن الذي يحكم جبل الأكراد هو أحد أحفاد ماند وظل حكم المانديين حتى احتلال سوريا من قبل السلطان سليمان الأول، والذي أخضع المانديين إلى سلطة أحد الزعماء الايزيديين والذي كان يسمى (عزالدين) وعندما وصل سليمان العظيم إلى السلطة استعاد المانديون الحكم كون عز الدين لم يخلف من بعده أي ولد.
وحينما عمل العثمانيون على ربط إماراتهم بهم ارتباطاً وثيقاً، استطاعوا أن ينهوا هذه الإمارة سريعاً. وفي القرن السابع عشر حل أحد الحكام الكرد من قبيلة برواريا محل آخر الأمراء المانديين هذا الكردي جَدُّ الروباريين الذي يعيشون حتى يومنا هذا في المنطقة ,وعمل أحفاده الذين أقاموا في قلعة باسوطة من أجل استقلالهم في مكانهم في وادي عفرين, وبعد قرنٍ من الزمان، استطاع الكينجيون أن يقتلعوهم من مكانهم المنيع وذلك عام 1150 هجرية. وبعد هذا الانتصار استطاع القادمون الجدد الذين ينتمون بأصولهم إلى الأتراك أن يضعوا أيديهم على المنطقة. وبعد انتفاضة (بطال آغا كنج) والتي سحقهتا الحكومة ثم استطاعت الحكومة أن تخضع الجوميين إلى سيطرتها حتى حوالي عام 1820، حيث يتلخّص تاريخ عشائر الكرد في المعارك العديدة بين شمال شيخان وبيان في حين كان آمكان وشكاكان أضعف منهم . ولذلك كانوا يبتعدون عن هذه النزعات وكانت آخر معاركهم قد جرت منذ عام 1850 وحتى عام 1918 لم يقع أي حدث يستحق الذكر في الجبل باستثناء المناوشات الطفيفة والقليلة .لم تجد فرنسا أية صعوبة في دخولها للمنطقة فقد استسلم الشكاكان والإيزيديون مباشرةً، بل أن الإيزيدين قدّموا أنصاراً ومساعدات من أجل الدخول إلى المنطقة، وبعد ترددٍ قليل مدَّ كور رشيد زعيم البيان يده إلى السلطة الجديدة، وفي عام 1920 سلك الشيحان والجوميان نفس الطريق وفي السنوات الأولى أقلق الأنصار المسلحون الشعب ثم استتب الأمن في جبل الأكراد وحتى بداية نشاطات المريدين عام 1935 -1936، أما الآن فتقيم في منطقة جبل الأكراد خمسة عشائر كبيرة على الشكل التالي في الجنوب جوميان، وفي الشرق شكاكان، وفي الغرب آمكان وشيخان، وفي الشمال بيان وأما في الوقت الراهن فقد تم اختلاط واضح بين الكرد والعلويين الذين كانت لهم امتيازات كثيرة في المنطقة ,وبدعم من الحكومة السورية التي أمنت لهم كل المستلزمات والخدمات ونتيجة سياسة التعريب التي فرضتها الحكومة ,بات الكرد يخضعون لعمليات صهر القومية التي نلتمسها من خلالها نسيان العادات والتقاليد الاجتماعية الدالة على الهوية الكردية.

زر الذهاب إلى الأعلى