تقارير

دور الأطباء في ثورة روج آفا

تقرير :مصطفى عبدو

كثيرة هي مآسي شعبنا  منها ما غابت عن الاٍعلام , ولكنها تنخر في الجسد :ومن هذه المآسي   هجرة العقول , ولاسيما أصحاب الخبرة والاٍختصاص , فمنذ ما يقارب الخمس سنوات تعاني مناطق روج آفا من نزيف حاد معظمهم الأطباء والمهندسين والمعلمين و…..والخ .

أما من بقي منهم ففضلوا البقاء لمساعدة أهلهم وذويهم وظلوا قابضين على جمر قضيتهم . ليس لهم مطالب سوى توفير بيئة مناسبة للقيام بواجباتهم .

طالما تميز الطبيب السوري بقدراته ومهاراته , الأمر الذي جعله مرغوبا” في الدول التي يهاجر اٍليها مما انعكس سلبا ” على المواطن السوري بشكل عام والمواطنين في روج آفا بشكل خاص . حيث تضاعفت المعاناة واٍزدادت الآلام .

يقول أحدهم :

الطبيب تعوّد العيش في الرفاهية  والرخاء , هذا الذي أصبح شبه معدوم مما دفع الكثير من الأطباء بالحفاظ على هذا المستوى من العيش الكريم .

أحد الأطباء بدوره أضاف : الزملاء القدامى جمعوا أموالهم وتوجهوا نحو تركيا والغرب أو اٍلى جنوب كردستان واعتبروا أنفسهم في اٍجازة وفرصة للراحة والاٍستجمام وساعدتهم على ذلك أحوالهم المادية الجيدة .

يقول طبيب آخر : دفع كل فرد من عائلتي مبلغ  (9 آلاف أورو ) حتى وصلوا اٍلى المانيا .

السيد حسين عثمان مريض قلب : عانيت كثيرا” من مرضي فأغلب الأطباء هاجروا واضطررت للسفر اٍلى العاصمة (دمشق ) وكلكم تعرفون كيفية السفر اٍليها . المصاريف , حجز الطائرة طبعا” اٍن وجدت بسرعة , والمبالغ الطائلة التي تكلف للسفر والمعالجة ,

فأين ذهب أطباؤنا ؟ وماذا يريدون ؟

سنلقي اليوم الضوء على واقع الصحة أو بالأحرى واقع الأطباء في روج آفا , في خضم الثورة .

                        الفرق الطبية تمارس عملها ضمن ظروف قاسية جدا”

الدكتور أيمن درويش . رئيس هيئة الصحة في كانتون الجزيرة :

تعتبر نسبة الأطباء الكرد بين العاملين والمختصين نسبة لابأس بها مقارنة مع بعض المحافظات الأخرى . أو المكونات الأخرى .

ومع بداية الثورة في روج آفا , كان لزاما” علينا أن نقوم بما يمليه علينا ضميرنا . وأيقنا بأن الوقت المناسب قد حان لأن نقوم بواجبنا .

حيث تم معالجة الكثير من الشباب والشابات من مقاتلينا هناك من فقدوا أطرافهم في القتال , وآخرون باٍصابات في الرأس .

وأعضاء الفرق الطبية بذلوا قصارى جهدهم لتقديم الاٍسعافات الأولية . ولكن أغلب الجرحى  كانوا بحاجة الى علاج جاد ومتقدم وكانت الأدوية والمعدات الطبية غير متوفرة أحيانا” .

كانت مشاهد محزنة لايمكن وصفها , تلك الفرق كانت تخاطر بالموت . وقاموا بمهامهم بصعوبة , ولولاهم لفقد الكثير من الجرحى حياتهم .

وتم تدارك الأمر سريعا” حيث تم اٍنشاء هيئة صحية بديلة في ظروف صعبة فقام الأطباء بتنظيم أنفسهم من جديد , الهجرة التي اجتاحت المنطقة أوجدت عاملين بمجال الصحة لا يتمتعون بالخبرة الكافية حاولوا تقديم الرعاية الصحية حتى أن بعض أطباء الأسنان كانوا يجرون عمليات جراحية بسيطة للجرحى ,والصيادلة  قاموا بمعالجة المرضى , والشباب تطوعوا للعمل , فأغلب الزملاء للأسف تخلى عن واجبه وهرب عند سماع الطلقة الأولى وهم من كنا نعتمد عليهم .

هذا وقد كشفت هذه الثورة التي نعيشها اليوم في روج آفا عن فقدان الكثير من الأطباء لعنصر التضحية وطغى عندهم الجانب المادي على الجانب الانساني فأختار الهجرة .

ولهجرة الأطباء نتائج كارثية على أي مجتمع كان .

وقد كنّا نتأمل من زملائنا الأطباء القيام بهجرة عكسية بعدما آلت اٍليه الأوضاع , ولكن لم يحدث ما كنا نعتقده . وذهبت آمالنا أدراج الرياح .

أتوجه من خلال صحيفتكم بجزيل الشكر للزملاء ممن خاطروا بالموت وقاموا بمهامهم بصعوبة في مستشفيات فيها نقص شديد بالدواء والأجهزة . ولولا مساعدتهم لاستشهد الكثير من أبناء وبنات روج آفا .

                        تلقى على عاتق الأطباء رسم السياسات الصحية للمجتمعات

غسان سليمان : كاتب كردي

هدف الثورات هو البناء الجميل والحفاظ على الأخلاق والمجتمع ,

وما يحدث في روج آفا هي ثورة حقيقية لبناء مجتمع أخلاقي سليم , فكل فرد في المجتمع يجب أن يكون له دور ايجابي في نجاح الثورة والبناء الجديد , والأطباء هم جزء مهم في المجتمع ولهم الدور الأساسي في الحفاظ على حياة الاٍنسان والسهر على رعايته فالطب مهنة لها أهدافها الانسانية النبيلة والسؤال الذي يطرح نفسه , هل قام الأطباء بدورهم الاٍنساني في ثورة روج آفا ؟ وهل شاركوا في هذا البناء ؟

يتوجب على الأطباء أن يكونوا أعضاء حيويين في المجتمع ويتفاعلوا معه ويؤثرون فيه ويهتمون بأمره وأن يوظفوا كل طاقاتهم واٍمكانياتهم لخدمة المجتمع في المجال الصحي .

هناك نسبة قليلة من الأطباء ممن فعلوا ذلك ولكن أيضا” هناك نسبة منهم لجأوا الى ممارسات وسلوكيات أضرت بمهنتهم ولم يراعوا ظروف الحصار والفقر والمعاناة في روج آفا لم يكونوا على قدر المسؤولية خلال هذه الثورة .

ومن جهة  أخرى بقي في روج آفا أطباء تشبثوا بأرضهم وشعبهم ورفضوا الهجرة وساعدوا المجتمع وتفاعلوا مع الثورة , ونشروا التثقيف الصحي في المجتمع من خلال المحاضرات في جميع المؤسسات التابعة للإدارة الذاتية الديمقراطية .

ومن خلال الاٍعلام المسموع والمقروء , هنا لابد من الاٍشادة الى دور الهلال الأحمر الكردي الذي قام بواجبه في الداخل والخارج وعلى مستوى مخيمات اللاجئين فهناك مستوصفات والمناوبات على مدار اليوم .

كما قام بعض الأطباء الغيورين على بلادهم وشعبهم بالحفاظ على الموارد الصحية والبشرية  وتعقيم مياه الشرب وتأمين اللقاحات للأطفال .

نتأمل من الأطباء أن يشاركوا بفعالية واٍيجابية في سن الأنظمة ورسم السياسات الصحية وحل المشكلات وأن  يستخدموا مهاراتهم ومعلوماتهم وخبراتهم في تحسين جودة الخدمات الصحية المقدمة للمجتمع .

                                                                  شهادات و آراء

الطبيب الشاب يلماز قصد المانيا لإكمال تخصصه , تواصلنا معه فقال :

عشت فترة عصيبة في روج آفا وحاولت أن أتلائم مع الوضع المتغير لكن ظروف الحياة وربما مغريات الحياة في أوربا من عمل ونوعية  التخصص قد ساهمت بتسريع سفري وأضاف الشاب يلماز :

الكل قبل الثورة كان يحلم بالسفر اٍلى أوربا من أجل تخصيص نوعي واليوم فتحت أوربا أبواب جامعاتها ومشافيها لنا , ثم أبدى أسفه قائلا” :

نشعر بالتقصير والخجل من أنفسنا عندما نهجر وطننا وهي  بأمس الحاجة لنا ولكن هذه هي الحياة , وطاقتنا على التحمل كانت أقل من طموحنا الشخصي وظروف حياتنا ,

وبرر هجرة الأطباء بقوله : الطبيب اٍنسان وعنده قدرة معينة على التحمل وعند توجيه اللوم لأي طبيب على هجرته يجب لوم الملايين الذين هاجروا أيضا” فالطبيب ليس ملاكا” .

من جهة الطبيب خالد أفاد :

من يلوم الأطباء عليه أن يعلم بأنهم دفعوا ومازالوا يدفعون الضريبة الباهظة . فالأطباء كانوا مثالا” للتضحية لا كما يشاع عنهم .

ونوه خالد بأن تشجيع أوربا لهجرة الكفاءات العلمية اٍليها ومن بينهم الأطباء هو جزء من عملية تدمير البلد بشكل ممنهج .

يجب على الجميع العمل بالروح التي يقاتل بها المقاتل في جبهات القتال

ادريس حسو ممرض:

في أي ثورة أو تغير  في النظام الاجتماعي , تقع جميع طبقات المجتمع تحت تأثير هذا التغيير, و خاصة الأحزاب و الجماعات السياسية, و لكن  يبقى أصحاب المهن الٍانسانية و منهم المهن الطبية, هم اصحاب واجب أينما كانوا يجب ان يقوموا بهذا الواجب بتلك الروح التي يقاتل بها المقاتل في الجبهات  الأمامية, بغض النظر من موقعهم الجغرافي, في هذا اليوم شعبنا بحاجة الى تضافر جهود الجميع سواء في الوطن أو في دول الهجرة, الجميع ينتظر أن تستقر الأوضاع ليعود الجميع الى حيث بيته و قريته و مدينته. انطلاقا” من هذه النظرة, يجب على الجهات المعنية والتي تدير المناطق الخارجة عن سيطرة النظام مثل روج افاي كرد ستان العمل على تأمين ظروف العمل المناسبة لأصحاب المهن دون التعرض اٍليهم او مضايقتهم بناء على توجهاتهم السياسية للأطباء, ولأصحاب المهن الطبية دور مهم سواء على جبهات القتال أو في المدن أو مخيمات اللجوء في مساعدة المدنيين للوصول الى بر الأمان بأقل المصاعب و التضحيات. انطلاقا من الواجب الوطني و الاٍنساني الملقى على عاتقهم كونهم أصحاب مهن اٍنسانية يحتاجها الجميع .

خاتمــــة

اٍن هذا الحدث يدل على مفارقة وجود عالمين متجاورين زمنيا” منفصلين ماديا” ونفسيا” في روج آفا  . عالم أطباء يؤدون واجبهم حسب ما أقسموا عليه وعالم أطباء أختاروا عدم الخوض في الواجب وفضّل الهجرة واللجوء اٍلى دول أخرى .

على الجميع أن يدركوا بأننا جميعا” في خطر ولا استثناء في ذلك . نرى أنفسنا أمام محطات عديدة في مواجهة مفتوحة على الزمن الهلامي .

علينا الاٍلتزام بقرار مشرّف يزيّن صدر البلاد  بأوسمة العز والفخار حيث لا تفريط بالحقوق مهما بلغت التحديات . فتاريخنا العريق الذي كتبه أجدادنا سيكتب من جديد وبأحرف من النور مدادها دم الشهداء . وسيحمل تاريخنا بزنود أبطالنا ومقاتلينا وسوف يمضون نحو الغد المشرق بكل ثقة واٍصرار .

زر الذهاب إلى الأعلى