ثقافة

عثمان صبري الأديب والمفكر المبدع

إعداد: حسينة العلي

ولد عثمان صبري في 5/1/1905 في قرية نارنجه التابعة لقضاء كاخته في شمال كردستان الجزء الكردستاني الملحقة بالدولة التركية إثر اتفاقية التقسيم؛ وكان والده رئيس عشيرة المرديسية، وقد وافته المنية عام 1915 وكان عمر عثمان آنذاك عشر سنوات فتربى على يدي عمه الذي أصبح رئيساً للعشيرة.

تعرّف عثمان صبري في الثامنة عشرة من عمره على الوطني الكردي المعروف اسماعيل أفندي الذي لقنه أول درس في الوطنية الأصيلة المناهضة للتعصب العائلي والقبلي والإقليمي والحزبي؛ كان عثمان صبري يدرس في ذلك الوقت في المدرسة الرشدية العسكرية العثمانية، حيث تخرج منها عام 1922، وفي عام 1926 اعتقلته السلطات التركية مع عميه شكري ونوري وذلك بعد انهيار الثورة الكردية بقيادة الزعيم الكردي الكبير الشيخ سعيد بيران، وأعدم عماه في سجن آمد (ديار بكر)، أما عثمان فقد بقي رهن الاعتقال والتعذيب في سجن “ونزلي” لمدة سنتين حيث أطلق سراحه عام 1927 بعد إعلان العفو العام، ولكنه اعتُقل مرة أخرى بعد عام واحد فقط من العفو العام مع ستة وعشرين من رؤساء العشائر الكردية حيث قدموا إلى المحكمة العسكرية في ملاطية بشمال كردستان بتهمة التحضير لثورة كردية جديدة، ولكن أُطلق سراحه بمساعدة نائب المدعي العام حسين حسني الكردي الذي قال له ((إني أُغامر بوظيفتي وحياتي لأنني واثق من أنك سوف تخدم قضية شعبنا)) وقد تحققت نبوءته في 24/12/1929 ذهب عثمان صبري إلى سوريا التي كانت تحت الانتداب الفرنسي آنذاك أصبح عضواً في حزب خويبون الكردي لمدة سنتين وفي 1/7/1930 عاد إلى شمال كردستان لمساعدة ثوار ثورة آغري بقيادة الجنرال إحسان نوري باشا، ثم اضطر إلى أن يختبئ عند عشائر العنزة على حدود الدولتين التركية والسورية إلى أن غادر المنطقة في نهاية السنة نفسها متجهاً إلى هضاب بارزان بجنوب كردستان، حيث اعتقل في سجون الموصل وبغداد في أيار عام 1931 وذلك بأمر من السلطات البريطانية التي كانت تمثّل قوات الانتداب هناك

في حزيران عام 1931 بعد الإفراج عنه اضطر إلى الاختفاء عند البدو العرب وبعدها غادر إلى عمان وفلسطين حيث بقي هناك حتى عام 1935 وعاد إلى سوريا عام 1936 ولكن السلطات الفرنسية نفته إلى جزيرة مدغشقر في أفريقيا، إلا أنه توجه إلى لبنان عام 1937 ومنه إلى دمشق مرة أخرى عام 1938 حيث قام بتعليم اللغة الكردية في نادي صلاح بدمشق، الذي كان اسمه قبل ذلك (نادي كردستان) وظل يخدم في هذا المجال حتى عام 1941.

ساهم عثمان صبري مع بعض المثقفين الكرد من أمثال جكر خوين ورشيد كرد نافذ وقدري جان وممدوح سليم وجلادت بدرخان في إصدار مجلة هاوار (الصرخة) وروناهي (الضياء)إلى عام 1943؛ كما أصدر ألف باء باللغة الكردية عام 1954 وألف بعض الكتب مثل العاصفة وآلامي والأبطال الأربعة وله شعر كثير لم يطبع بعد.

وفي عام 1956 زاره في دمشق جمال نبز وكانت تلك الزيارة مناسبة لأن يشتركا في إصلاح الخط والإملاء الكردي بالأحرف اللاتينية وقد كان هذا العمل خطوة هامة في سبيل تطبيع الأحرف اللاتينية لتلائم أصوات اللغة الكردية بصورة كاملة كما بحثا وخططا معاً فقد قاما معاً بإنشاء مجمع علمي كردي، اشترك عثمان صبري 1957 مع بعض الوطنيين الكرد في تأسيس الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا، وانتخب سكرتيراً له في ذلك الوقت فشغل هذا المنصب لعدة سنوات .

وفي عام 1960 في عهد الوحدة السورية المصرية بزعامة عبد الناصر اعتقل عثمان صبري بأمر من العقيد عبد الرحمن السراج وظل في السجن إلى عام 1962، ثم فر إلى لبنان وبقي هناك إلى نهاية عام 1963.

في ليلة 23/5/1964 اعتقل في مدينة حلب مع7 بعض رفاقه الحزبيين وظل رهن الاعتقال إلى نهاية العام نفسه، واضطر في 4/6/1969 أن يتوجه إلى شمال كردستان بعد صدور الأمر باعتقاله مرة أخرى في سوريا حيث اعتقل في سجن دمشق حتى نهاية عام 1973 ليبقى بعد ذلك التاريخ موضوعاً تحت الإقامة الجبرية ومراقبة الشرطة وجهاز المخابرات له بصورة دائمة حتى وفاته وفي النهاية نلاحظ أن عثمان صبري عاش أكثر سنوات حياته في السجن فكان يعتقل ويسجن فبلغت عدد اعتقالاته في سجون المستبدين ثمانية عشرة مرة وقضى في السجون أكثر من 12عاماً من 1936 إلى عام 1973 وحكم عليه من قبل دولة الترك بالإعدام مرتين، وتم نفيه إلى جزيرة مدغشقر بأفريقيا أيام الانتداب الفرنسي على سوريا ولم تسمح السلطات للعم عثمان كما كانت تسميه الجماهير الكردية حباً له أن يبقى في عمله المتواضع في مكتب الحبوب بالجزيرة أمداً طويلاً حيث طرد بأمر من وزير الداخلية عام1948، لقد كان اهتمام عثمان صبري موجهاً نحو تعليم اللغة الكردية، فعلم الأجيال من الشباب الكرد والشابات الكرديات هذه اللغة التي أعلنت عليها الحرب منذ أمد بعيد، وبقي مثابراً في هذا الميدان إلى أن اختطفته يد المنون يوم الأثنين من عام 11/ 10/1993 في دمشق عن عمر يناهز التاسعة والثمانين فكان شاعراً ولغوياً وكاتباً وسياسياً مشهوداً له بالفضل والكفاح والصفات الحميدة   كالوطنية الصادقة والشجاعة النادرة والصدق المثالي في القول والعمل.

فكانت حياته سلسلة طويلة من التضحيات في سبيل أمته الكردية المضطهدة فخدم شعبه أكثر من سبعين عاماً، ودفن في قرية بركفريه قرب الدرباسية باحتفال مهيب، فسلام عليه يوم ولد ويوم غادر هذه الدنيا وهو مرفوع الرأس، عزيز النفس، خالداً في ذاكرة ملايين الكرد.

زر الذهاب إلى الأعلى