مقالات

هندسة الخوف

حسين تمو

كان لدي شبه يقين أن نتيجة الانتخابات لن تختلف كثيراً عن انتخابات 7 حزيران حتى تاريخ 3 تشرين الأول، في ذلك اليوم شاهدت بذهول المقطع المسرب عمداً من دائرة الحرب الخاصة التركية، وهو سحل جثة حاجي لقمان بيرليلك، ما كان بالإمكان إيقاف المقطع من التداول، خصوصاً أنها نسخة مخصصة للموبايلات وانتشرت على نطاق واسع جداً في أقضية ونواحي شمال كردستان، كان تسريباً ذكياً من الحزب الذي يصادر الدولة، وحقق الكثير. هناك خيط رفيع قاتل يفصل بين الجريمة التي تفيد في التعبئة الشعبية، والجريمة التي تحفر عميقاً في سيكولوجيا الخوف، وفي كل أنظمة الشرق الأوسط، لا توجد دولة أكثر خبرة من تركيا في هندسة الخوف والترهيب منذ أن وضع المستترك الكردي “ضيا كوك ألب” نظرية الإمحاء القومي وفق قاعدة لخصها بجملة: “حينما يعيش شعبان إلى جانب بعضهما البعض، فإن الأمة الأقوى ستستوعب الأضعف”. واقترح هذا السافل الذكي استنساخاً شرقياً للتجربة الفرنسية في قمع اللغة الألمانية في الألزاس واللورين. وبدأت المرحلة الأولى بحملة الترحيل الأولى للكرد سنة 1916 ضمن ثلاثة مراحل، كان يتخلل هذه العمليات سيناريو الإبادة النفسية، وهي الاستسلام للقضاء والقدر، والقضاء والقدر هنا هي أن تردد: كم سعيد مَن يقول أنا تركي، وما كان لهذه الإبادة أن تتحقق إلا بتعليق مشنقة الشيخ سعيد أمام الجامع الكبير، باستثناء ديرسم التي لم تكن معنية كثيراً بمشهد المشنقة، انتهى كل شيء: استسلام الكرد السنة للقضاء والقدر (الدولة الحداثوية) منذ 1925، والكرد العلويين منذ 1938. بالعودة إلى ذلك الخيط الرفيع الفاصل بين ارتدادات التعبئة والاستسلام، كانت معركة كوباني موضوعاً دسماً للتعبئة، وترجيحي أن مليوني صوت إضافي حصل عليها حزب الشعوب في انتخابات حزيران كان رداً على موقف أردوغان حينها. فيما جاءت صورة السحل بهذه الطريقة لتعيد آلاف الأصوات إلى العدالة والتنمية بدافع الخوف والرهبة، حينما شاهدت ذلك المقطع وضعت في الاعتبار أن هذا المشهد سيفقدنا 200 ألف صوت على الأقل. ثم أضيف إليه تفجير أنقرة الإرهابي لتنتهي كل إمكانيات تحويل الحدثين إلى تعبئة، بل أفاد في الترهيب والانقياد بشكل كارثي. في أي استحقاق انتخابي مقبل، العمل سينصب على تفكيك “هندسة الإرهاب” الرسمية. بالتالي، ليس كل من صوّت لأردوغان هو من حركة مناصري كردستان. هذه الحركة لها أتباع، ربما نصف مليون صوت الذي حصل عليه حزب

العدالة في انتخابات حزيران كلها أصوات جاءت من هذه الحركة التي لها أنصار يعتقدون أنهم الممثلون الحقيقيون لكردستان!. لكن نصف مليون صوت الإضافي الذي حصل عليه الحزب الحاكم في الأول من تشرين الثاني نوفمبر، كان نتاج تطبيق أكاديمي لهندسة الخوف بين الانتخابيْن مع ذلك، 5 ملايين صوت كردي تحرر نهائياً من تلك العقدة .. وهيهات أن تعود إلى “الصندوق المغلق”، تلك النظرية التي صاغها طلعت باشا سنة 1913… هيهات.

زر الذهاب إلى الأعلى