الأخبار

لماذا تتصادم تركيا مع دول يصفها أردوغان بالصديقة؟

سبق لأردوغان أن وصف بشار الأسد بأنه صديق وقال عن إيران إنها بيته الثاني ووصف قادة إيران الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد والحالي حسن روحاني أيضا بالأصدقاء، كما أنه كان يلقب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هو الآخر بالصديق حتى النهاية. فعلى مدار تاريخ تركيا لم تكن العلاقات بين روسيا وتركيا جيدة بالقدر الذي كانت عليه في عهد كل من بوتين وأردوغان. حتى أن دعمهم لأقطاب مختلفة في الصراع داخل سوريا لم يفسد الأجواء بينهما.

فالقاسم المشترك الذي جعل منهما حليفان كان مقاومتهما للقيم السياسية الغربية الشفافة والخاضعة للمساءلة المتعلقة بالديمقراطية والتعددية والمشاركة وكذلك تعاونهما في المجالات المربحة وعلى رأسها الطاقة. إذن لماذا حولت تركيا التي تجمعها بروسيا علاقات جيدة بهذا القدر، اختراق الحدود الذي لم يدم إلا ثوان إلى ساحة مواجهة عسكرية في الناتو بصفتها دولة أسقطت طائرة روسية بدلا من اللجوء إلى حل دبلوماسي؟

هل تسعى تركيا إلى استعادة كرامتها المهزوزة من خلال افتعال أزمة مع روسيا؟

هل تسعى السياسة الخارجية التركية من خلال إسقاطها الطائرة الروسية إلى استعادة اعتبارها بعد سلسلة من الاختبارات التي هزت كرامتها مثل إسقاط طائرتها في سوريا ومهاجمة كل من إسرائيل وليبيا لسفنها في المياه الدولية واختطاف قنصلها في الموصل واضطرارها إلى نقل ضريح سليمان شاه إلى منطقة الأكراد …إلخ؟

إن كان الأمر كذلك، فلماذا دعت تركيا الناتو إلى عقد اجتماع طارئ بعد دقائق عدة من استهدافها الطائرة؟ فإن كانت تركيا قد أطلقت النار على روسيا ثقة منها بأنها ستحصل على دعم من حلف الناتو، فمن الأفضل وضع قفل كبير على باب مبنى وزارة الخارجية التركية وترك المحل للصهر أو ابن العم أو أحد من الأقارب والذهاب للجلوس في زاوية ما.

فموقف الغرب منذ بداية الأزمة يعكس عدم عزمه للتدخل في الأزمة السورية وأنه في حال رغبة تركيا في ذلك فبإمكانها حشد قواتها والتدخل. فأيا كان الموقف الذي سيتخذه الناتو، الذي لم يتدخل في مواجهات ضارية مع روسيا في كل من أوسيتيا وأوكرانيا، بشأن الأزمة التركية الروسية فسيشابه إلى حد كبير موقفها تجاه الطائرة التركية التي أسقطتها سوريا من قبل.

فأنقرة ستعاني مع روسيا ما عانته بالأمس مع كل من دمشق وطهران بعدما تحول التقارب الكبير الذي كان بينهم إلى صراع بسبب انتهاجها لسياسة خارجية تعلي من المصالح الشخصية بدلا عن سياسة قائمة على القيم والمبادئ.
وفي ظل اجتماعات تركيا مع الأسد والمجلس المشترك كان يتم إتهام بعض المحذرين بأنهم عاجزون عن إدراك مصطلح “تركيا الجديدة”. فإن كنتم لا تتشاركون النظام السياسي والقيم عينها وعمليات صنع القرار نفسها مع الدول التي ترون أنها حلفاءكم اذن فلا مفر من تصادمكم معهم خلال فترة وجيزة.

وبالنظر إلى عقلية العدالة والتنمية فإن اختلاف قيم رئيس الجمهورية أردوغان تجعل الاصطدام خيارا لا مفر منه حتى ولو شعر بتقارب مع أنظمة هذه الدولة. فالقراءة الخاطئة للأزمة السورية تعد أحد أكبر الأخطاء التاريخية للعدالة والتنمية. وقد ندفع ثمنا أكثر مما تخيلنا لهذه القراءة الخاطئة التي قلبت سياستنا الأمنية في الداخل والخارج رأسا على عقب.

ساواش جينتش- قسم العلاقات الدولية بجامعة الفاتح

زر الذهاب إلى الأعلى