ثقافة

عثمان صبري، التاريخ والذاكرة {بكَ أدَّلُ عليكَ، وبكَ أصَّلُ إليكَ}

إبراهيم بركات
هل نحن بحاجة إلى ترميم الذاكرة بين فترة وأخرى….؟؟؟
وهل عثمان صبري “آبو” بحاجة إلى حيزٍ ما من الذاكرة ….؟؟؟
يقيني أننا لسنا بحاجة إلى هذا ولا ذاك إذا كان الأمر يتعلق بقامة من قامات أدبنا الكردي الحديث لا بل بتلك الكوكبة التي حملت إلينا بشائر الوعي السياسي الكردي في النصف الأول من القرن الماضي، في بواكير تشّكله، وكان “آبو عثمان” في طليعتهم، وهؤلاء لا يمكن أن يتحولوا إلى مجرد أيقونات نعود إليها وقت ما نشاء، بل الذاكرة تبقى طافحة بهم، وأعنّي الذاكرة الكردية بمساحتها الواسعة.
هؤلاء الذين نحتوا الصخور يشقون عبرها المسالك والدروب {عثمان صبري، جلادت بدرخان، جكرخوين، ورشيد كرد….}
تميّز آبو عثمان بالفرادة وشحت حياته كلها، بل تكاد تكون حياته حالة إبداعية بحد ذاتها بكل جوانبها وتفاصيلها…. حمل قناعاته وأحلامه إلى أبناء شعبه، خصوصاً بعد لجؤه إلى سوريا في نهاية عام 1929 وبدأ علاقته الوطيدة مع جلادت بدرخان، كما ارتبط بعلاقات تنسيقية مع زعماء الأرمن المنفيين.
عمل آبو عثمان خلال إقامته في دمشق على تنمية قدرات ورعاية الشبيبة الكردية في تلك المرحلة عبر تأسيس نادي صلاح الدين الثقافي والرياضي، كما مارس تدريس اللغة الكردية وتعليمها، قراءة وكتابة لتلاميذه من الشباب الوطني مما اندفع الشباب إلى التعليم بحب ولهفة.
ذهب مع كوكبة من المعلمين الكرد إلى الجزيرة السورية لنشر الفكر القومي هناك، وما لبث أن شارك مع نخبة من المثقفين مثل رشيد كرد وجكرخوين بإصدار مجلة {هاوار و روناهي}.
ثم قام بتأليف العديد من المؤلفات تتحدث عن معاناة الشعب الكردي مثل (باهوز) العاصفة، وكتاب جار لهنك (الأبطال الأربعة)، كما أصدر ديوان دردي مه (آلامنا) الشعري.
وقام بترجمة مذكرات المستشرق الفرنسي – ليسكو – الذي ربطته به صداقة متينة.
استعان جلادت بدرخان بآبو عثمان عندما ترجم القرآن الكريم إلى اللغة الكردية، وأهم عمل قام به آبو عثمان هو إضافة أربعة حروف إلى الأبجدية الكردية اللاتينية، وأصدر ألف باء اللغة الكردية عام 1954 وتعد حالياً المرجع الأول لتعلم اللغة الكردية في سورية.
حجر الأساس في فكر آبو عثمان هي الحرية، وهذا يتطابق مع إيمانه بالله والإسلام، وكان يكره الاستعمار مهما كان نوعه وجنسيته لأنه يستعبد الشعوب، فقاومه بالكفاح المسلح والنضال السياسي.
آمن بالديمقراطية وعمل من أجلها، ولم يكن شوفينياً قيد شعرة، لذا ناهض الفكر الصهيوني العنصري ووجده يلتقي مع الشوفينية التركية الطورانية.
عاش آبو عثمان في فلسطين قرابة ثلاثة سنوات وارتبط بصداقة متينة مع المجاهد عزالدين القسام فكلاهما يدافع عن شعبه.
لا يخفي إعجابه بثلاث شخصيات عالمية:
غاندي: روح الهند العظيم، الذي حرر بلاده بلا عنف.
لينين: مفجر ثورة أكتوبر البلشفية الذي عمل على تحرير العمال والفلاحين من الظلم.
كما أعجب بـ “ابراهام لنكولن” ويعتبره أهم رئيس أمريكي لأنه حرر العبيد.
أدرك آبو عثمان، المؤامرة التي أوقعت شعب لبنان في مستنقع الحرب الأهلية، وناهض الاجتياحات الإسرائيلية للأراضي اللبنانية، كما إيد المقاومة الفلسطينية تأييداً مطلقاً.
نذكر بأن القائد عبدالله أوجلان أول من سارع إلى تقديم العزاء وتعازيه الشخصية لأبناء وعائلة آبو عثمان صبري حين وفاته، وأثنى على نضال الفقيد الذي بقي مخلصاً لمبادئه والذي أصبح رمزاً خالداً لشعب الكردي ولجميع الأحرار في العالم.
وقد زاره القائد –أوجلان– أكثر من مرة في منزله بمدينة الحسكة.
وآبو عثمان ذاك الكردي العتيد، رغم مساهمته الكبيرة في نشر الوعي السياسي والقومي الكردي، إلا أنه ولتاريخ نذكر بأنه لم يمارس مراوغات السياسية أو الخوص في الصراعات حزبية، بقي على مسافة من الجميع فكان القدوة والمثال.
سيبقى آبو عثمان من المداميك الأساسية في الذاكرة والموروث الشعبي الكردي، وقامة فاعلة في المشهد الثقافي الكردي والكردستاني على مر التاريخ، وشعلة متوهجة لشبيبة الكردية في هذه المعمعة التي تدعى ….. الحياة.

زر الذهاب إلى الأعلى