مقالات

جنون العظمة و زعماء الشرق!

د.شمدين شمدين
فجـأة ودونما مقدمات , ومباشرة بعد نتائج الانتخابات التي منعت حزب العدالة والتنمية في تركيا من تحقيق حلمه بالفوز بالاغلبية المطلقة , وتحويل نظام الحكم في البلاد الى نظام رئاسي, فجأة يخرج رئيس الجمهورية التركي ويعلنها حرباً لا هوادة فيها ضد ما أسماهم الإرهابيين الكرد, لينسف بكلمة واحدة كل الوعود والعهود التي كان قد أطلقها لتحقيق السلام في البلاد من أجل إنهاء أكثر من ثلاثين عاما من الصراع مع حزب العمال الكردستاني ,هذا الصراع الذي أدمى قلوب الأمهات الكرد والترك وزرع الشقاق بين الشعبين المتعايشين منذ مئات السنين .
اليوم وبعد أكثر من شهر على بدء الحملة لعسكرية التركية ضد الحزب الكردستاني, يبدو إن تركيا باتت تعيش واقعاً شبيهاً بأيام التسعينات , حيث فُرضت حالة الطوارئ في العديد من من البلدات الكردية , ونزلت الدبابات الى الشوارع وأخذ الجنود يقمعون بقسوة وعنف كل حراك شعبي , كما تم إعتقال الكثير من الناشطين الكرد و زجّ بهم في السجون والمعتقلات بحجة مؤازرة حزب العمال الكردستاني, و بالرغم من كل دعوات التهدئة التي أطلقها المسؤولون في أمريكا والعالم وآخرها دعوة الرئيس الفرنسي هولاند الذي دعا الطرفين الى العودة الى طاولة المفاوضات , إلا أن الرئيس التركي يبدو مصراً على معاقبة الكرد وحزب العمال الكردستاني بالتحديد على عرقلتهم لحلمه بالسلطنة ويبدي إصراراً لا مثيل له على إستمرار العمليات  حتى يفنى الحزب الكردستاني أو يقر بالهزيمة ويسلم أسلحته وهو أمر يعتقد الكثيرون أنه صعب المنال بالإستناد الى التجربة التركية الطويلة في محاربة الحزب التي لم تأتي إلا بما لا تشتهيه السلطات التركية.
جنون العظمة الذي يعتقد العديدون إن الرئيس أردوغان مصاب به , ربما يكون السبب وراء غضبه الشديد وإصراره على سفك الدماء من أجل رفع أسهم حزبه في الانتخابات المبكرة التي أعلن عنها بداية شهر نوفمبر وهو ما أشار إليه صراحة زعيم المعارضة التركية كمال كليشدار أوغلو حين قال :أن أردوغان يتغذى على الدماء من أجل تحقيق حلمه , والمعرف إن المصاب بجنون العظمة لا يقبل الهزيمة ولا الإنتقاد ويظن نفسه الزعيم الأوحد , وإمام الأمة الهادي لهم للطريق القويم , هو فاقد للثقة بكل من حوله ويظن أن الجميع يتأمر عليه وعلى وجوده , لقد كان الرئيس التركي ينتقد  زعماء الشرق المصابين بذاك الداء حين إتهمهم بقتل شعوبهم من أجل البقاء في المنصب والإحتفاظ السلطة , وهو بات يكرر اليوم نفس الإسلوب و يستخدم نفس الأدوات القمعية والفتاكة من أجل تلبية طموحاته والإنتقام من أعدائه.
في إحدى قمم الجامعة العربية وقف القذافي معلقاً على طريقة الإطاحة بصدام حسين قائلاً: الدور جاي عليكم , فضحك الجميع ضحكات ساخرة , وهذه بالذات إحدى أعراض جنون العظمة الذي أصبح داء معدياً ربما أصيب به معظم زعماء الشرق , وفغلاً صدقت نبوءة القذافي فكان أول من وقع في الفخ , ولكنه قبل ساعات من سقوطه كان يجوب الشوارع وينشر الخطابات متوعداً الأعداء بقطع الرؤوس وسحل المعارضين ويردد بإستمرار أنا الزعيم ,أنا الزعيم , مثلما فعل قبله صدام حسين ومعظم الزعماء العرب الذين ربطوا بقاء الوطن ووجوده ببقائهم في السلطة وإعتبروا أن رحيلهم يعني الزلزال الذي سيدمر كل الأمة ويقضي على كل الكيان الثابت والراسخ الذي بنوه على قد قياسهم وأنصارهم.
جنون العظمة أو البارانويا هذا الداء الخطير الذي يعاني منه زعماء المشرق والمغرب , يظهر اليوم آثاره في الفوضى العارمة التي تجتاح تلك البلدان ويدفع ثمنه الفقراء والمساكين وعامة الشعب الذين باتوا يركبون البحار في رحلات الحلم المجهول باتجاه عالم أكثر أماناً خالياً من الظلم والقمع والمجانين , سابقاً كانت تركيا بعيدة عن هذه العاصفة ولكن اليوم يبدو إن داء العظمة قد فعل فعله في عقل الرئيس التركي وباتت تركيا مقبلة على أحداث شبيهة بما يجري في العالم العربي بدل الإنضمام الى الإتحاد الاوربي ذلك الحلم الذي أصبح اليوم صعب التحقيق كثيراً , لكن السؤال الذي أخذ يردده الكثيرون هل الزعماء وحدهم مصابون بداء العظمة في الشرق أم العدوى إنتقلت حتى الى اتباعهم ورعيتهم والكثير من أبناء شعوبهم ؟ وهل سينقل هؤلاء مرضهم الى أوطانهم الجديدة في أوربا مثلاً؟  الإجابة تبدو اليوم بحكم المجهول لكن المستقبل كفيل بتوضيحها

زر الذهاب إلى الأعلى