ثقافة

المسرح من الرقص البدائي إلى التمثيلية الحديثة

sanosano-1 sano-2يرى أغلب المفكرين والكتاب إن العمل المسرحي  أو المسرح أو الدراما، له جذور عميقة تعود إلى الانسان البدائي الذي قلد الطبيعة بكل مكوناتها ومن ثم مثلها بين ابناء جنسه،  ثم تطور هذا التمثيل من الطقوس البدائية إلى الدينية ومن ثم التمثيل الدنيوي، ومن المأساة اليونانية إلى “الصور المتحركة”، كل ذلك في مظاهره المربكة المحيرة يسجل تعريفاً عن “المسرح” وعن “المسرحية” أو “الدراما”. لذلك لا يمكن الاهتداء إلى تعريف محدد للمسرح الذي هو ملتقى كل الفنون كما يراها لأغلب الباحثين في هذا المجال.

ولا يعرف أحد متى كتبت أول مسرحية تحديداً، وإن كان التاريخ يرجع بتاريخ المسرح إلى عام أربعة آلاف قبل الميلاد، ولا شك أن المسرح يعود إلى أبعد من ذلك، ولكن البداية الحقيقية التي تعنينا وتحدد نشأة المسرح تحديداً نسبياً هي بداية المسرح في بلاد اليونان خلال القرن الخامس قبل الميلاد.

وأول تاريخ مهم يصادفنا هو عام 535 قبل الميلاد، ففي ذلك العام فاز “تيسبس” الذي يُعدّ بحق أول ممثل في أول مسابقة تراجيدية، غير أن أهمية هذا الخبر تتضاءل إلى جانب حقيقة كبرى ثابتة على وجه اليقين هي أن مدينة أثينا، تلك المدينة اليونانية، قدمت للعالم فجأة وخلال قرن واحد فيما بين القرن الخامس والرابع قبل الميلاد أربعة من أكبر كتاب المسرح، إن لم يكونوا هم آباء المسرح الحقيقيين الذين لا آباء قبلهم وهم: “أسخيلوس Aeschylus” و”سوفوكليس” و”يوربيدس Euripides” و”أريستوفنس  Aristophanes”.

وإذا وقفنا على النواة الأولى لبدء فكرة المسرحية أو الدراما وهو الرقص، فإن التأريخ لم يجلب الكثير عن المسارح ذاتها، حيث لا نستطيع الاستنتاج إلا شيئاً قليلاً، حيث كانت تقام الاحتفالات في الطرقات وفي الدروب، حيث يلتف العامة حول مقدمي تلك العروض الراقصة.

أما عن القصة المسرحية فقد ذكر “روبرت أدموند” المؤرخ المسرحي وصفاً تخيلياً لمثل هذه النشأة التلقائية للقصة المسرحية، حين قرر أن رقصة القنص القائمة على حادثة قصصية حقيقية، أو مأثرة من المآثر الباهرة قد نشأت من إعادة سرد قصة هذه الحادثة حول نار المعسكر.

 ولو تصورنا ما كان يجري في العصر الحجري، عصر الكهوف والماموث، وتصوير المظلمات المائية فوق جدران الكهوف، وقد أمسى الليل، وجلس زعماء القبيلة معاً، وقد اصطادوا حيواناً، وها هو زعيم القبيلة يثب واقفاً ويقول: “لقد قتلت حيواناً شرساً، أنا الذي قتلته، قصصتُ أثره فهجم عليّ فقذفته بحربتي فخر صريعاً”، ثم يبدأ في تمثيل المعركة إيقاعياً وسط أصوات الطبول، وتمثيله لخوفه من ذاك الحيوان الشرس وهو يهاجمه، ثم ترديده لعبارات الشجاعة حين قتل الحيوان الذين هاجمه،  في هذه اللحظة تولد المسرحية بكل عناصرها المعروفة الآن، وإن كانت بغير تقنية على الإطلاق، وإن لم ننكر لعباس ابن فرناس فضل خياله المحلق في الطيران، فلا ننكر على الإنسان البدائي أنه الأب الأول للمسرح.

ولا بد من القول بأن تلك الشعوب البدائية لم توف حقها في الدراسة، إما لندرة المعلومات، وإما لتواضع الأداء المسرحي قياساً على ما تلا هؤلاء مباشرة.

نشأت الدراما “المسرحية” من الاحتفالات والأعياد الديونيزية، ومن الطقوس والرقصات والأناشيد التي كانت تُنشد، ومن المواكب التي كانت تقام تكريماً لديونيز. وعبده شعب اليونان على أنه إله لهم فقط من دون الناس، وكانوا يكرمونه في مهرجانات مفعمة بالبهجة وألوان من الشعائر الدينية.

ثم نسج الكهنة أسطورة من أساطيرهم الدينية يعلنون بها مجيء ديونيز. وكان المكان المكرس لحفلات البسط هذه يسمى “مسرحا”،ً وأصبح بعض المحتفين بالآلهة يسمون “كهنة”، ثم أصبحوا يعرفون فيما بعد “بالممثلين”. وأصبح غيرهم ممن يتولون قيادة الإنشاد، والذين يمكنهم نظم أناشيد جديدة يسمون “الشعراء”، ثم اتسعت اختصاصات الشعراء حتى أطلق عليهم آخر الأمر اسم “الكتاب المسرحيين”. كما أطلق اسم “الجمهور” أو “النظارة” على غير هؤلاء وهؤلاء ممن لا يطلبون شيئاً غير المشاركة في تمجيد ديونيز تمجيداً عاطفياً في حفلات تكريمه والثناء عليه.

واتخذت الدراما لنفسها عنصراً جديداً مولداً عن الحركة الراقصة،  أما أين يقترب الرقص من المسرحية، ففي الميدان الذي اقترب فيه أحد الأشخاص البدائيين ورقص رقصاً معبراً فيه عن انتصاره في معركة، مبيناً كيف تلصص حتى رأى عدوه، ثم كيف اصطدم به وحاربه يداً بيد، ثم كيف كان يتفاداه، ثم كيف قتله وفصل رأسه عن جسمه، كان رقصه ذلك شديد القرب من المسرحية الصحيحة، وقد مارست جميع القبائل البدائية رقصات الحرب ممارسة فعلية، كما مارست رقصات تعبر عن العاطفة، فضلاً عن الرقصات الدينية التي كانت تسود المجتمعات في تلك العصورالغابرة.

أما المسارح فتكاد تكون أمراً مجهولاً يصعب استنتاج آثاره إلا شيئاً قليلاً. والنصوص القديمة كافةً، وخلاصة مسرحيات الآلام، والرقصات البدائية، كل ذلك يؤكد حقيقة مؤداها أن أول مسرح كامل، وأول مسرحية قديمة باقية تقترن بمسرح مبني، وبطريقة في العرض، هو المسرح اليوناني

كان “جو” 525 – 456 ق م، أول كتاب المسرح العظام من المبرزين في معركتي “ماراثون Marathon و”سلاميس Salamis”، فلم يكن الرجل منشغلا بتوافه الأمور، ولا راغباً في توفير التسلية للجمهور بل كان لديه من الأفكار والتجارب ما يريد إشاعته وإشراك الناس فيه، فكانت مسرحياته بعيدة المدى، عظيمة التأثير. والظن أنه كتب تسعين مسرحية لم يبق لنا منها غير سبع وهي: الضارعات، والفرس، وبروميثيوس،و سبعة ضد طيبة، ومصافدا، وأورستايا. والأورستايا هي فى الواقع ثلاث مسرحيات: أجاممنون، وحاملات القرابين، وربات الإحسان المنعمات.

أما “سوفوكليس” 496 – 406 ق م، فكانت حياته أقل إثارة من حياة “أسخيلوس”، إلا أنه كان أعظم منه كاتباً مسرحياً، وكاد يبلغ في حياته الخاصة وفي أعماله مرتبة الكمال، حيث ظلت مهارته الحرفية معياراً للكتاب المسرحيين ومثلاً أعلى لهم طوال خمسة وعشرين قرناً تقريباً، حيث اتسمت أعماله بالعمق في التفكير والثراء في التعبير والحنكة في صناعة التوتر المسرحي وإثارة التهكم الدرامي. وكذلك بقيت لنا من أعماله سبع مسرحيات وهي: أوديب ملكاً، وإلكترا، وأوديب في كولون، وأجاكس، وأنتيجون، والتراقيات، وفيلوكيتيس.

ويرى الكثيرون أن أوديب ملكاً هي أكمل مسرحية كتبت على إطلاق المسرح منذ نشأته حتى الآن، وقد عدها أرسطو Aristotle نموذجاً لكثير مما تعرض له في كتابه النقدي “فن الشعر”، وقد امتدحها، خاصة حبكتها المشتبكة، وأحداثها المنسوجة بترابط، ووضوح الدوافع.

أما آخر كُتّاب التراجيديا الكبار هو “يوربيدس 484 – 406 ق م”، ويكفي للإشارة إلى بعض الفروق الأساسية بينه وبين “أسخيلوس” و”سوفوكليس” بعض الأقوال الشائعة بشأنه مثل، “كتب أسخيلوس عن الآلهة، وكتب سوفوكليس عن الأبطال، أما يوربيدس فيكتب عن البشر”.

ولا أدل على العلاقة بين الكاتب المسرحي وبيئته من الإشارة إلى أسخيلوس ويوربيدس، فقد ولد الأول في أسرة غنية وثرية لها قدر ومكانة، وعاش أيام معركة ماراثون، وقتها كانت أثينا شابة مليئة بالأمل. أما يوربيدس فقد كانت حياته نقيضاً تماماً لما عاشه أسخيلوس، وعكست مسرحياته بوضوح الظروف التي أحاطت به. وقد وصلنا من مسرحه ثماني عشرة مسرحة أشهرها: “إلكترا”، “ميديا”، “النساء الطرواديات”، “هيبوليتس”، “أفيجينيا في أوليس”.

ومن السمات الرئيسة للتراجيديا اليونانية التي تمتعت بمجموعة من الخصائص وكما اشار إليها العديد من المفكرين والكتاب الأغريق،  فأنه ليس من اللازم أن تنتهي التراجيديا اليونانية دائماً بموت الشخصية الرئيسة أو الممثل الأول، أما الموضوع فهو، كما أشار إليه أرسطو دائماً، موضوع جدي له قدر وحجم.

و تستغرق الواحدة من التراجيديات اليونانية حوالي ساعة واحدة، فالأورستايا بمسرحياتها الثلاث تستغرق تقريباً الوقت نفسه الذي يستغرقه تمثيل مسرحيتي شكسبير: “هاملت” و”الملك لير”. وقد تلقي هذه الحقيقة بعض الضوء على مشكلة الوحدات الكلاسيكية الثلاث التي طالما كانت موضوعا للمناقشة،  فوحدة الزمن تستلزم أن تقع الأحداث في يوم واحد، ووحدة المكان تستلزم أن تنحصر الأحداث في مكان واحد، ووحدة الفعل تستلزم ألا يكون في المسرحية غير حبكة مسرحية واحدة.

ويتضح مباشرة، لمن يقرأ التراجيديات اليونانية، أن الجوقة تؤدي فيها دوراً كبيراً، وهي تنفرد بالكثير من أجود الشعر في التراجيديات اليونانية، بل سمح لها بالاشتراك في الفعل الدرامي، وتحمل مسؤولية التعبير عن الكثير من الأفكار والآراء.

أما الكوميديا الإغريقية فقد كانت لها وظيفتها الخاصة، حيث ارتبطت في أصلها بطقوس الخصب والتناسل البدائية وعند أريستوفنس، تطورت الكوميديا فجعل منها سوطاً قوياً لكشف القضايا الاجتماعية والسياسية، و أصبحت لا تختلف كثيراً عن العروض الفكاهية الساخرة المعاصرة.

وإن لم يكن أريستوفنس 450 – 388 ق م، الكوميدي الوحيد في عصره إلا أنه كان، باتفاق الجميع، أعظمهم، وهو كذلك الوحيد الذي بقيت  من أعماله عدة مسرحيات في نصها الكامل، وكان يمتاز ببراعة ، وقدرة فائقة على الفكاهة والسخرية. إنه رجل لا يتردد في أن يسخر من كل شخص، ويتهكم على كل شيء و من مسرحياته  “الضفادع” و”الدبابير” و”السحب” .

وقد سبق الزي المسرحي، في أثناء نمو الدراما، الديكور المسرحي، بل سبق كل مقر ثابت مخصص للتمثيل، وقد بقيت مثل هذه الأماكن الثابتة المخصصة للتمثيل، لأمد طويل، عائقاً أكثر منها معيناً لحل مشكلة الفن المسرحي كما عرفته الدراما الإغريقية. فبناء مثل مسرح ديونيز كان مصدر بلبلة للفكر المعاصر، إذ إن أطلاله الباقية لا تدل على مبنى يرجع إلى العصر الهليني فحسب، بل إلى العصر الروماني. والمتفق عليه نشأة كل من الملهاة والمأساة في المحافل القروية وفي المواكب الممجدة لديونيز الذي عُدّ في زمنه الإله الملهم وموفر الخصب.

إن أولى حفلات المآسي والملاهي قد مثلت في الأوركسترا Orchestra، وهي قطعة أرض ممهدة مستديرة الشكل، بميدان السوق، ومن ثم انتقلت بصفة دائمة إلى حيث حدود معبد ديونيز اليوثيروس، داخل الحرم المقدس، على المنحدر الجنوبي للأكروبول، على أنه لم تكن الأرض مسطحة، فكان لا بد من إقامة حائط ساند عند أحد الجوانب، وكان النظارة يتجمعون على سفح التل، وينظرون عبر الأوركسترا، فيرون فوق حافة الحائط الساند قمة معبد ديونيز.

لم تتضمن نظم البناء حتى القرن الخامس قبل الميلاد سوى الأوركسترا والمعبد، أي أن أولى مسرحيات أسخيلوس قد قدمت على هذه الصورة المبسطة، أما ما كان يلزمها من إكسسوار، كالهياكل والمقابر، فكان يعد عند حافة المسطح، حسب مقتضيات كل مسرحية.

ومن المفروض أن ممراً منحدراً، أو بالأحرى خندقاً، قد وفر طريقاً لظهور الجوقة والممثل الأول على مرأى من النظارة. وقد تسبب عدم الاستقرار في مفهوم الاصطلاحات المسرحية اليونانية في كثير من البلبلة لأذهان المعاصرين.

 كانت الأوركسترا مكاناً مسطحاً، مستديراً في الأصل، تؤدي فيه الجوقة تشكيلاتها، وكان المسرح مكان جلوس النظارة، وكانت الخيمة، حيث يرتدي الممثلون ملابسهم ومنها يظهرون كلما حل دور أحدهم، خليطاً يجمع بين كواليس المسرح الحديث وحجرات الممثلين، أي أنها لم تكن منصة التمثيل حسب المدلول الحديث.

أما ما يطلق عليه حالياً منصة التمثيل، أي خشبة المسرح، فكان اليونانيون يسمونها “بروسكنيون Proskenion.

أما تطور المسرح في العهد  الروماني فقد برز في القرن الثالث قبل الميلاد، وقد ارتبط هذا المسرح بالحفلات الدينية التي كانت كثيرة، كما كان للمسرح وظيفة الترفيه و التسلية مع انعقاد الحفلات الدنيوية، وتعد الكوميديا الشكل الشعبي المعروف في الرومان القديمة منذ القرن الثاني قبل الميلاد، وقد ازدهرت مع بلوتوس وتيرينس المتأثرين بالكوميديا الإغريقية الجديدة.

ومن التراجيديات المعروفة في الرومان نجد مسرحيات سينيك إبان القرن الأول قبل الميلاد وتراجيديات سالون التي سارت على غرار التراجيديات الإغريقية، بيد أن المسرح الروماني سينقرض مع بدء سيطرة الكنيسة على المجتمع والحكم  وسقوط الإمبراطورية الرومانية، فاختفى بذلك المسرح الكلاسيكي: اليوناني والروماني  لمدة خمسة قرون.

في العصور الوسطى ظهر المسرح في أحضان الطقوس الدينية ضمن فضاء الكنيسة المسيحية الكاثوليكية، وكانت النصوص الدرامية تقام بالمناسبات الدينية والفلكلورية والوثنية، وفي هذه الفترة استثمرت القصص الإنجيلية وأحداثها الطقوسية القداسية في توليد العروض المسرحية التي تجسد الصراع بين ما هو (دنيوي وأخري)، وصراع مريم والمسيح ضد الأهواء والشياطين، واستعان الممثلون بفنون حركية وملابس درامية خاصة، وكان هذا بداية أخرى للإخراج المسرحي. وإذا كان المسرح الروماني قد ارتبط بفضاء معمارية الإمبراطورية اليونانية فإن المسرح في العصور الوسطى ارتبط بفضاء درامي ديني طقوسي لا يخرج عن فضاء الكنيسة أو الكاتدرائية الإنجيلية أو الفضاءات الدينية ذات الديكور الديني الإنجيلي المعروف التي تجسد ثنائية الجنة والجحيم والأهواء وخطاب المعجزات والمقدسات الدينية.

ومن النصوص التي تعود إلى تلك الفترة نص مجهول أنجلو نورماندي بعنوان( لعبة آدم) يتضمن 942 بيتا شعريا وإرشادات مسرحية غنية وواضحة ،

أماعن المسرح في عصر النهضة أو المسرح الكلاسيكي الجديد،  فقد تأثرت ثورة الإصلاح الديني البروتستانتي بقيادة مارتن لوثر على المسرح، فأخرجه من طابعه المقدس إلى طابع  الدنيوي،  وقد انطلق المسرح الكلاسيكي في عصر النهضة من شعرية المسرح الإغريقي والمسرح الروماني؛ ذلك ببعثه وإحيائه من جديد قصد تطويره والسير به نحو آفاق جديدة، وكانت ايطاليا من أولا الدول الاوربية التي تطورت فيها المسرح والفنون الاوربية بشكلٍ عام ،كونها كانت مركز الامبراطورية الرومانية.

ومع اكتشاف المنظور، سمح للتصور السينوغرافي بخلق الإيهام بالواقعية الدرامية، وتم تنويع الديكور، وإثراء الفصول الدرامية الخمسة بمشاهد وعروض مجازية استعارية دخيلة تتخلل هذه الفصول، وقد وضِع فاصل معماري(غطاء) لفصل قاعة الجمهور عن خشبة التمويه الفني.

وتطور المسرح الفرنسي الذي اعتمد بكليته على التجربة الايطالية و اليونانية كذلك المسرح الإنجليزي الذي برز في عهد  الملكة إليزابيت الأولى في أواخر القرن السادس عشر حيث أبقى تقاليد المسرح الشعبي في العصور الوسطى وبلغ المسرح نضجه وازدهاره مع وليام شكسبير الذي اعتمد في بناء مسرحياته على سنيك وبلوتوس والكوميديا المرتجلة، ومزج بين التراجيديا والكوميديا، كما مزج بين المشهد والرقص والغناء، وكانت عقده الدرامية ممتدة في الفضاء الزمكاني.

في بداية القرن 18 أعطى مسرح الشارع وساحات الأعياد شكلا مسرحيا جديدا هو المسرح الشعبي،  واشتهرت نصوص رائعة في هذه الفترة مثل روميو وجولييت والملك لير، وقد ساهم بعض النقاد مع عصر التنوير في أوروبا في تطوير المسرح مثل فولتير وديدرو  وميل كليرون  وليسينج Lessing.

ومع مطلع القرن التاسع عشر  ظهرت المدرسة الرومانسية مع مجموعة من الرواد  أمثال ( فيكتور هيجو، وألسكندر دوما ، وألفرد دو موسيه ، وألفرد دوفينيه وغوته وشيلر…).

وينطلق هذا المذهب الرومانسي من فلسفة جان جاك روسو الداعية إلى العودة إلى الطبيعة والثورة على مجتمع المدنية والفساد.

وقد انطلقت الرومانسية في ألمانيا مع ((جوته صاحب مسرحية( فاوست) الذي اشترى منه الشيطان روحه مقابل سيطرته على العالم وتملك القوة)).

كذلك ظهر المدرسة الطبيعية في الاعمال المسرحية الدرامية حيث  بنيت الدراما الطبيعية على الاستقراء السيكولوجي والملاحظة الموضوعية لإيجاد حلول علاجية لشخصيات مرضية كأن المسرح علاج وشفاء تطهيري للأفراد والجماعات. وأصبح المسرح يبحث عن الحلول للقضايا الاجتماعية.

ومع المدرسة الطبيعية، ظهر المخرج المسرحي بالمفهوم المعاصر، أما قبل ذلك، فكانت العملية الإخراجية يتكلف بها الكاتب أو الممثل الرئيسي حيث يقرأ النص ثم يوجه الممثلين أو الديكوري ويطبع لمجموعة العرض أسلوبا منسجما مرتجلا. ولقد فرض تعدد الاختصاصات والبحث عن الواقعية الحقيقية وتطفل الكتاب على المسرح إيجاد مخرج متخصص في المسرح.

إلى جانب هذه المدارس ظهرت مدارس أخرى عديدة كالمدرسة الواقعية والرمزية  تطرح قضايا اجتماعية وسياسية متنوعة بأسلوبٍ تمثيلي ساخر وهزلي وكوميدي وترجيدي نقدي على عتبات المسارح حتى وقتنا الحاضر.

وفي الختام من الصعب معرفة المسرح أو ممارسة طقوسه وعروضه التمثيلية أو كتابة النصوص والنظريات إذا لم يستوعب الإنسان الفعل المسرحي وتاريخه وتاريخ حركاته الأدبية والفنية ومدارسه ، قاصداً معرفة الثوابت والمتغيرات والسياق الإيديولوجي والاجتماعي والظروف التي أفرزت تلك الأعمال المسرحية والمدارس الفكرية وساهمت في خلق مبادئها ومرتكزاتها الدلالية والفنية والجمالية.

زر الذهاب إلى الأعلى