مقالات

العيش بحرية مع الارهاب

سيف دين عرفات

ما يحتاجه الانسانية والعالم الحر في كل مكان هو التمسك بنظام مناعة اجتماعية قوية وعدم التنازل للارهابيين والوقوف امامهم بصلابة وشجاعة منقطعة النظير لدحرهم في كال مكان وعلى جميع المستويات وخاصة الايديولوجية والفكرية والعسكرية.
النقاش جار ومستمر في كل مكان على مستوى الافراد والدول والسياسيين وفي المكاتب والمنازل وبين الاصدقاء والعائلات وو …ويصل المرء الى اسئلة لانهائية من باب: هل أسمح لنفسي ولاقاربي واصدقائي أو هل يُسمح لي او هل اريد بحريتي الذهاب الى حفلة ما او ملعب ما او مطعم ما لاستمتع بحياتي؟!

لقد هزت العليات الارهابية التي حدثت في باريس كامل اوربا بحيث اُلغيت كثير من الفعاليات في بعض الدول الاوربية كفرنسا وألمانيا وبلجيكا خوفا من وقوع المزيد من العمليات الارهابية.

لقد وصل ذلك الارهاب الى ابواب الدول الاوربية بل وعاشت بعضها الارهاب وذاقت من مرارة ذلك الارهاب.

الارهابيون المتطرفون الذين يتلذذون بموت الابرياء ويعشقون اراقة دماء الابرياء لا توجد لديهم مبادىء او قوانين محددة ولا يلتزمون بأي شيء او يخافون لومة لائم ويستهدفون الجميع ولا يتمتعون بأي رحمة او شفقة تجاه ضحاياهم ولا يشعرون بأي ذنب تجاه أعمالهم اللاانسانية والخارجة عن جميع المبادىء والقوانين الدولية والانسانية.

هؤلاء لا يعترفون بقيم العالم الحر وطريقة عيشهم بل على العكس هم يحاربون تلك القيم بكل الطرق الايديولوجية والدينية والدموية والابتزازية وهذا ما تبين واضحا من عمليات باريس الدموية التي جرت بتاريخ 13 / 11 / 2015 م والتي كانت بمثابة جمعة دموية في قلب اوربا.

هذه لم تكن المرة الاولى التي هزت فيها الارهاب عواصم وبلدان الاوربيين، لقد كان تاريخ 11 / 9 / 2001 اي تاريخ حدوث العمليات الارهابية في نيويورك وواشنطن ايذانا ببدء تلك العمليات في اوروبا بل وفي جميع انحاء العالم واكثر من اكتوى بنار الارهاب هم الكورد في جميع انحاء كوردستان والسوريين العرب الذين يتعرضون لتلك العمليات منذ تاريخ 15 / 3 / 2011 م وبشكل يومي وبدون انقطاع.

لنتذكر بعضا منها مثلا عمليات جربا في تونس وعمليات بالي بأندونيسيا عام 2002 وفي مدريد باسبانيا عام 2004 وفي لندن وشرم الشيخ عام 2005 وفي مومباي عام 2008 وحتى عملية شارلي هبدو في بداية هذه السنة وعمليات باريس الاخيرة والعملية التي حدثت توا في عاصمة مالي باماكو التي حدثت أمس والعمليات الارهابية الجارية في مختلف دول العالم الجارية بشكل شبه يومي، كل ذلك يضع المرء امام سؤال كبير ما العمل حيال ذلك؟!!!ما هي كمية الحرية التي يجب على المرء والشعوب والدول أن يتنفسها مقابل تنازله عن كمية ما من أمنه وحرياته الشخصية؟!!

ولكن اخطر العمليات الارهابية التي يغض العالم الحر والمجتمع الدولي الطرف عنها لاسباب معروفة هو ارهاب الدولة المنظم التي تجري من قبل تركيا والنظام السوري والجمهورية (الاسلامية) الايرانية وبعض الدول الاخرى كالسعودية، ارهاب تلك الدول وكمثال على ذلك ما جرى هذا العام في ڀرسوس وآمد وانقرة وما يجري الآن في نسيبين وفارقين وجزيرا بوتان وغيرها من المدن الكوردية تُبين بشكل واضح ان ارهاب تلك الدول اسوأ واكثر خطورة من ارهاب داعش.

لا جدال في أن المرء يستطيع تجنب الاماكن التي يُشار الى احتمال وقوع اعمال ارهابية فيها كتجنب الذهاب الى المباريات الكبيرة والحفلات الكبيرة والتجمعات والمظاهرات الحاشدة، وهنا يجب على الشرطة والقوات الامنية والمخابرات السرية وقوات حفظ النظام وغيرها القيام بكل ما يلزم وبتحمل مسؤولياتهم بشكل كامل وعدم ترك ثغرات امنية وينبغي عليهم هنا استخدام أقوى أنواع التكنيك والبقاء باستنفار دائم وتوقع حدوث أسوأ ما يمكن.

ستعيش اوروبا في المدى المنظور وحتى اجل غير مسمى تحت مراقبة مشددة من قبل السلطات الامنية بشكل دائم وستشهد ظهور قوانين أمنية جديدة وستشهد تراجع الحريات الشخصية على حساب الحريات الامنية لكي يستمر النظام الاجتماعي الحالي.

لقد قطعت العمليات الارهابية في فرنسا انفاس كثير من الاوربيين وهذا ما يقدم خدمة مجانية للارهابيين وهنا أقول لا يستوجب على المرء عدم المشاركة في الفعاليات الاجتماعية فلو طبقنا نفس المعيار على حوادث السير السنوية مثلا سنرى بأن خطر التعرض للموت بحوادث السير اكبر بعشرات المرات من خطر الموت بالعمليات الارهابية مع ان الكثيرين يعتقدون بأن مَن يسوق سيارته فمصيره يتحمله بنفسه.

ما يحتاجه الاوربيين خاصة والعالم بشكل عام هو الشجاعة والمقاومة الاجتماعية الفائقة عند حدوث الازمات والعمليات الارهابية، وعندها سيكون المجتمع جاهزا للنصر والصمود وتجاوز العواقب الوخيمة اثناء حدوث ما تم ذكره وسينتصر على الازمات والعمليات الارهابية والاسلاموفوبيا.

والمقاومة هنا تحتاج الى نظام مناعة قوي من الناحية النفسية والشخصية والاجتماعية ويحتاج أيضا الى عدم تقييد الحرية واللجوء الى حالة الطوارئ الا في الحالات القصوى، وتقييد الحرية معناها التنازل عن روح الديموقراطية واعني هنا بالحرية الحرية الشخصية وحرية الرأي والتعبير بشكل أساسي وغيرها من الحريات بما فيها الحرية الدينية عندما تلتزم بدستور الدولة المعنية.

وعندما نرغب المرء مستقبلا الذهاب الى ملاعب كرة القدم والمسارح وغيرها من الفعاليات فهذا يعني أنه يدافع بل ويجب عليه الدفاع عن حريته التي يعيش في ظلها الآن في اوروبا.

زر الذهاب إلى الأعلى