ثقافةدراساتمقالات

الجزء الثاني : « أحذيةٌ وأزهارُ عبّاد شمس…» قراءة سيميولوجية لست أعمال للفنان :ڤان غوغ Van Gogh.

FB_IMG_1439848391170

بقلم : منير شيخي.

الجزء الثاني:

⦿– اللوحة الثالثة من المجموعة الأولى:{م1،ج}

Paris.August-September 1887.[ TWO CUT SUNFLOWERS ]                  

نلاحظ إن العناصر في هذا العمل أيضاً هي نفسها كما في العمل السابق، ولكن اللون الأزرق متغيب كلياً، وكأنه ترك مكانه ليأخذ الأسود مساحةً أكبر بالمقارنة مع اللوحة {م1،ب}و خلفية العمل أصبحت كلاً موحداً حالة تحاضن ،مشاركةٌ لإعلان التعاطف مع زهرتي عبّاد الشمس.

فالهالة اللونية التي تحتضن زهرتي عبّاد الشمس، تخلقُ مهرجاناً للألوان المتراقصة، من أصفرٍ وأحمر وأخضر، تعلن مهرجاناً ربيعياً، كأن الألوان تُعلنُ إحتجاجاً عاصفاً من جهة، ورغبةً في تجميل الألم غير راكنة للأسود، فخلقت حركةً متتابعة، عاصفةً لونية، هالةً من أفعال تطوف بالأزهار.

تعتبر التقنية التشكيلية في هذا العمل، من أكثر الأعمال قُرباً للإسلوب التعبيري الذي تميَز به ڤان غوغ، حيث لمسات الريشة المتكررة بإيقاعٍ غير متكرر، تخلقُ طقساً مشبعاً بالحركة فكإنها إنطباعيةٌ في شغبها ،ويلاحظ إن ساقا عبّاد الشمس متعانقتان في هذا العمل ،متوجهتان للأعلى مما يعبر عن حتمية وقدرية المشهد وكأن المشهد سيبقى مستمراً، وإن التحول لا يمكن أن يكون إلا نتيجةً لتحولٍ في المفهوم و الجوهر .

العنف المطبق بحق أزهار عبّاد الشمس لا يمكن أن يزول بأساليب مماثلة و لكن بالإصرار على الاحتفال و تقديم الألوان قرباناً خلق هالة احتفالية مشبعةً بألوانٍ متراقصة.

رغم كل السواد، المحيط بالعناصر المتواجدة في العمل، فإن الأزهار تُصر على إظهار حقيقتها حقيقة المشهد فقط ، و بأنها كفيلة بإزالة الغبن المطبق بحق أخوات «كليتي clytie ».

باللاعنف وحده ، والمرتوي بالإصرار ،يمكننا أن نُقلل من قساوة الممارسات،وأن نُشعل الشموع في شرك الظلام، قد لا تُضيء مساحات واسعة من العتمة،و لكنها تُضيء على كلِ حال،وتعلن بصمت بأن فلسفة الظلام بدأت تفقدُ ملاكها بظهور هذه النجوم المضيئة، حتى لو كانت صغيرة.

ولا يعتبر هذا خنوعاً لأزهار عبّاد الشمس بقدرِ ما هو معرفةً بحقيقةِ وجودها.

فأزهار عبّاد الشمس تُدرك جيداً بإن أقسى أغصانها تتحول بكلِ سهولة وقوداً ساذجة لموقدِ حِذاءٍ أحمق،وتعلمُ أيضاً إنها لا تملكُ أغصاناً من حديد.

FB_IMG_1439848415847

⦿– اللوحة الأولى من المجموعة الثانية :{م2،أ´}

Oil on convas 49×72 cm   [ Three pairs of shoes ]           

براديغم الألوان :[الأسود،الأبيض،الأخضر العفني،الأصفر.].

براديغم اللباس  :[الحذاء،الأربطة القطنية.].

براديغم الصناعة:[الحذاء،المسامير،نعل الحذاء،الجلد.].

براديغم الموت  :[الأسود،الحذاء العسكري،الجلد«الكائن الذي صنع منه الحذاء».].

سأكتفي  بالتطرق للعناصر المختلفة عن المجموعة الأولى، كاللون الأصفر المختلف هنا من حيث القيمة الرمزية، بينما الأسود والأبيض فلهما نفس التعبير تقريباً و سأعود إلى هذا لاحقاً.

الأصفر المائل إلى الأخضر:

إن الأصفر الموجود في هذا العمل يختلف عن الأصفر الموجود في أعمال المجموعة الأولى،ففي اللوحة التي نحن بصددها الأصفر مائل للأخضر ،وهو لون قمريٌ بارد ،رمز الحسد ،وعدم الثبات ،الخيانة ،الشحوب ،وهذه الصفات كلها تتلاءم مع شخصية و نفسية هكذا نوع من الأحذية.

الأربطة :

وهي معقودة دليلٌ على الجاهزية، واليقظة، حماية الثغور، لكن عندما تكون حرة كما في هذا العمل وبقية الأعمالِ أيضاً فتدل على الراحة والقيلولة والتعب أيضاً∗ .

الحذاء:

يرمز للدفاع عن الجسم ضد العوامل الخارجية، و يرمز إلى التخلص من القيود الاجتماعية إذا كان مخلوعاً، نظافته و لمعانه يدلان على إن مرتديه أنيقٌ و عصري ،بينما رداءته وإهماله فيدلان على الكسل وعدم الاستقرار النفسي و رداءة الوضع الاجتماعي، وإلى الدخل المعدوم.

في هذه اللوحة نلاحظ إن الأحذية سوداء، مستعملة بشدة، مهترئة، تدل على إن أصحاب هذه الأحذية إما هم عمال مناجم، أو إنها تعود بأجمعها إلى أحد أصدقاء الفنان، أو إنها لمجموعةٍ من المتورطين في الأمور العسكرية حتى أخمص أحذيتهم ، وإن عقولهم مصابةٌ بآفة العقم، و أجد الاحتمال الأخير الأكثر قرباً من حقيقة الأحذية.

فالأحذية لها طابعٌ عسكري، و أول ما يذكرنا به هكذا نوع من الأحذية هو الموت(موت الكائن الذي صُنع من جلده) وآخر ما يذكرنا به هو الموت أيضاً(يدل إن اللذين كانوا ينتعلونها، قبل أن يقوموا بنزعها من أرجلهم بدقائق، بأنهم قاموا بنزعِ عددٍ من الأرواحِ من أجسادها.).

ربما تكون أرواح أزهار عبّاد الشمس.

وهذا النوع من الأحذية تعود للرجال(طبعاً)،ثلاثةُ أزواجٍ من الأحذية، وإذا أردنا أن نقترب من حقيقة المشهد أكثر فسنقول  ثلاثة رجال.

الرقم/3/:

عدد فردي، كل الأديان تؤكد إن للعالم بنيةٌ ثلاثية، فهو مؤلفٌ من الأرض و السماء والجحيم و كان هذا الأخير «هاوس» عند الإغريق كان محروساً «بسيربيروس» رمز الشمس، و«سيربيروس» حيوان إسطوري ذو ثلاثة رؤوس يحرس الجحيم، و الرقم ثلاثة عدد مذكر، كما إن له مدلولاتٌ أُخرى مختلفة فهو :

في «موزبوتاميا» يدل على نظام الثالوث الأعلى [ نو، دانليل، وايا ].

وفي مصر يدل على الثالوث [آمون، موت، خونصو].

وفي الهند يعبر عن المظاهر الثلاثة لبوذا [جسد، كلام، فكر].

وفي المسيحية إلى [الآب، الابن، روح القدس].

وللوصول إلى نفسية مرتدي الأحذية، عبر تحليل شخصية أحذيتهم، فهو ممكن إلى حدٍ معقول.

فالزوج الأول من الأحذية، الذي يتربعُ في زاوية اللوحة اليمنى، يختلف من حيث التصميم عن باقي الأحذية، كما إن هذا الزوج لا يحتوي على الأربطة، وهو مرتب بالمقارنة مع إخوته من باقي الأحذية، موضوعٌ بشكلٍ خجول ،غير مستقر، مرتفعٌ قليلاً تتلامس فردتاه بقلقٍ حذر، يدل إن صاحبه إما هو مسؤولُ مجموعة، أو إنه لم يكن في ساحة الصراع أبداً، وإن كان، فإنه لايتجرأ على إيذاء نملة، ربما كان عاشقاً أيضاً .

أما الذي في الوسط فيدل إن صاحبه أكثرهم تمرداً و عنفاً، و أكثرهم سُخريةً من وضعه، مع ذلك فهو مقتنعٌ بالدور الذي وكِل إليه ،خصوصاً بكونه محيطٌ بشخصين، يدلُ إن له وضعاً متميزاً وأسفلُ حذائه موجهٌ للأعلى لها دلالةٌ معروفة وغير محببة في كل المجتمعات، ترمز إلى الاحتجاج وضرب ضمير الإنسانية عرض الحائط، والأربطة مبتعدة بالروح ذاتها.

أما زوج الأحذية الذي يقعُ في يسار العمل(في الأسفل)فإحدى الفردتين مستقرة، واثقة، بينما الأخرى قلقة، مائلة، و لسانها معكوف، يدل على إن صاحبها متردد، زئبقي، ربما كان يعيشُ حالة صراعٍ داخلي(حرباً أهلية بين العقل والعاطفة)وإنه غير راضٍ بما يقومُ به،[على الأقل في تلك اللحظة التي خلع فيها الحذاء ]

و لا أجد ما يدفعني أن أتوقف عن التحليل بهذا النمط، فكل المؤشرات تؤكد هذا المنحى، فاللون الأسود طاغٍ بشدة على المشهد ويحتلُ زاوية اللوحة اليمنى، والخط الأسود يتوجه من أسفل يسار العمل إلى أعلى يمين العمل وهذا يدلُ على مادية اتجاه اللوحة بعكس محور اللوحة الأولى في مجموعة عبّاد الشمس حيث كانت تدل على الروحانيات كما يرى «واسيلي كاندنسكي».

والحذاء المقلوب وهو يقعُ في مركز اللوحة يدل إن الهدف الأساسي من العمل ،إيصال صرخة رفضٍ قوية حتى تتمكن من إيقاظ ضمير الإنسانية من سباتها العميق.

يتبع…

زر الذهاب إلى الأعلى